الدرس الثاني والعشرون - ارتباط الذكر والفكر


24 سبتمبر, 2008

الحمد لله الذي يكرم الصادقين، بنور الفكر والفهم عنه، وصلى الله وسلم وبارك على إمام أهل الذكر والفكر سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه ومن سلك على نهجه إلى يوم الدين.
لعلك أخي يا من يريد الله عز وجل، قد استشعرت من مجلسك الذي مضى فتح أبواب من التفكر عمَرت بها وقتك، فان الوقت الذي يمضي على الإنسان إما أن يكون معمورا وإما أن يكون خربا، الوقت الخرب مثل الخرابة لا يمكن أن ينتفع بها؛ الذي يمر على الإنسان لا يصرفه فيما ينفعه فيما يفيده، والوقت المعمور هو الوقت الذي يرتقي به الإنسان..
لعلك عدت إلى ميدان الفكر، تفكرت بالدنيا وما تفعل بأهلها، وكيف تبيدهم وكيف تعبث بهم وتهينهم، فعافت نفسك الدنيا وزهدتها وجعلتها بـُلغة، تتبلغ بها إلى الآخرة، وفقهت أن من يلبس النعل في قدميه فقد وضع النعل في مكانه، لكن من أخذ نعليه ووضعهما على رأسه وقال: النعلان مهمان، وبهما يوقى الإنسان من الحر ومن القر ومن الزجاج ومن القذر، لا بدَ أن نحترم النعال لا بد أن نعطيها قدرها ظلمناها، تعالوا نضع النعال فوق الرأس وخرج إلى السوق وهو واضع نعليه على رأسه، ماذا يقال عنه؟ مجنون!!، نعم النعال نحتاج إليها لكن أين مكانها؟ في القدمين؛ الدنيا هكذا، نحتاج إليها لكن مكانها القدمين.
لعلك تفكرت في ذلك فعافت نفسك الدنيا، لعلك أعملت الفكر في عظيم صنع الله، في بدائع القدرة في هذا الوجود، في نفسك، فأورثك ذلك نورا من معرفة الله ترتقي به، لعلك أعملت الفكر فقضيت وقتا وأنت تتفكر في النعم الكبيرة التي أكرمك الله بها، ومن النعم العظيمة: الإمهال؛ الاستمرار بالنعم بالرغم من الأخطاء والتقصير، أنعم عليَ فأسأت فلم يسلبني النعمة، بل أمهلني لعلي أرجع، لعلي أتوب، فالإمهال من النعم، تفكرك في النعم هل أوجد في قلبك تذوقا لمعنى الحب لجناب الحق؟ اشتقت إليه أنست إليه، استشعرت عظيم فضله عليك سبحانه فقلت: الله..، لكن قلتها وأنت مشتاق إليه، الفكر يثمر في صاحبه ارتقاء في الذكر أيضا، فذكر المتفكر ليس كذكر الغافل، وهذا يغذي هذا، فإذا ارتقيت في الفكر إلى ميدان أعلى من الذكر، رقَاك الميدان الأعلى من الذكر إلى ميدان أعلى من الفكر، ومع الذكر والفكر نضيف ثالثا-وهو مزيجٌ بين الذِكر والفِكر- ألا وهو التدبّر لكلام الله عز وجل.

التدبر.. مزيج الذكر والفكر

عندما تتلو آيات الكتاب وأنت مستشعر عظمة الخطاب من رب الأرباب، كيف أكرمك بأن أذن لك أن تتلو كلامه؟ لولا فضل الله لما طاقت لما تحملت لما استطاعت ذواتنا الضَعيفة أن تتلو كلامه، الله سماه القول الثقيل (سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً) وأخبرنا أنه أنزَله على قلب سيدنا محمد (فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ) أخبرنا أنه تيسرَ بلسانِ سيدنا محمد (بِلِسَانِكَ) كما قال له الله عزوجلَ، ثمَ جاءنا هذا الكلام الغض الطري وصار لك الحق أن يكلمك الله، ما هذه العطية، عندما تأخذ كلام الله تأخذ المصحف وتتلو، الآن رب العزة يـُكلمك يخاطبك، فأنت تتلقى كلام الله من الله سبحانه عزَ وجلَ، هذا التعظيم والاستشعار عندما تنظر به يتحول إلى بصيرة تفتح لك خزائن كتاب الله في كل سورة في كل جزء في كل آية في كل كلمة بل في كل حرف، خزائن من عطايا الحق سبحانه وتعالى، فإذا أقبلت بنور التعظيم للمتكلم، فـَتح لك هذه الخزائن، قد تحتاج إلى ما يساعدك، مفاتيح من أمثال اللغة العربية، قراءة شيء من كتب التفسير، سماع كلام أهل العلم، لكن عندما تـُقبـِل مع هذا بتعظيم لكلام الله تستشعر أن الله يفتح لك خزائن كتابه فإذا به يُفيض عليك من أنوار الكتاب العزيز، مفاهيم، أذواق، علوم، تستشعر أنك تغرف من بحر كتابه سبحانه وتعالى.
* حكمة : كان أحد الصالحين من أهل هذا المسلك الراقي يتكلم عن الفؤاد فأعجز العلماء الذين استمعوا إليه تعجبوا قالوا كلامك كله منضبط بضابط الكتاب والسنة والشريعة لكن فيه معاني ما وقفنا عليها من قبل من أين أتيت بهذه العلوم؟ قال أتيت بها من آية من كتاب الله عزوجل، قالوا وما هذه الآية التي جئت منها بكل هذه العلوم؟ قال قوله عزوجل (وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ) أقبـَلَ على مائدة القرآن فبسط الله تعالى له هذه المائدة..

إلى أين نصل بالتدبر ؟

هذا التدبر يجمع الإنسان على فهم راقي، هو قد نظر بعين التفكر إلى القرآن الصامت إلى هذا الوجود فاستلهم منه معاني ثم نظر إلى القرآن الناطق كلام رب العزة فاستلهم منه هذه المعاني وقد مهد طريق قلبه لذلك بالذكر فجمع بين الذكر والفكر والتدبّر (أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ) ما الذي يمنع الإنسان من التدبر، قلة المعرفة؟ قلة علم؟ قلة ذكاء؟، قال لا، (أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) الذي يَحول بين الإنسان وبين أن يتدبر كلام الله الإقفال الذي يحصل على القلوب لكن إذا أقبلنا على هذه الساحة، نحن من بداية هذه المجالس نتكلم عن النية عن الباعث تتذكرون عن التوبة عن الخواطر التي تخطر على القلب، كيف يحفظ الإنسان قلبه عن الجوارح وهي النوافذ التي تصب على القلب كيف يحافظ الإنسان عليها، عن مداخل الشيطان كيف يـُكفاها، عن التفريق بين الخواطر كيف يتعامل معها، كل ذلك ليتهيأ القلب ليعمل.
مر معنا الكلام عن تطهير القلب من أمراضه من معاصي القلب؛ من الكبر من الرياء من الحسد مما يتفرع عن ذلك، تكلمنا عن طهارة الظاهر، تكلمنا عن حفظ الوقت، تكلمنا كيف تقوم الحياة على أساس أن الصلاة محور لهذه الحياة، تترتب الأوقات على أساس الصلاة، سرنا إلى النوافل والرواتب، وصلنا إلى الذكر، الذكر أوصلنا إلى إلى الفكر، الفكر أوصلنا إلى التدبر، وصلنا إلى حال من الطمأنينة، هذا الحال يحمل السالك السائر إلى الله على أن يعيش بتوظيف هذه العطايا التي هو في طريقه إلى الله يزداد منها في ميدان المعاملة مع الله، يبدأ العبد مع مرور الوقت عليه من الصباح إلى المساء مع مرور الأيام والليالي يشعر بأنه يُعامل من؟ الله، مع اختلاطه بالناس وما يخاطبونه به وما يعاملونه به، يُعامل الله، مع أحواله هو مع نفسه، يُعامل الله.

تشعر بالتكاسل ؟؟

شعرت في نفسك تكاسلا عن الطاعة، أقبلت بعد أن حضرت هذه المجالس أو سمعتها أو غيرها من مجالس الخير أو ما قذف الله في قلبك وبدأت تـُطبق هذا الكلام، جاءت عليك فترة بدأت تشعر فيها أن النفس بدأت تكسل، الملل السآمة الكسل، كيف تتعامل مع هذه المشكلة؟ أنت تتعامل مع الله، كيف تـُعامل هذه المشكلة التي في نفسك؟
1. الترغيب :
تأخذ من آيات الرجاء وأحاديث الرجاء، تتفكر في ما أكرم الله به الطائعين، عندما تعجز أوتتكاسل عن الخروج إلى المسجد، مرة من المرات كسلت نفسك ؛كل يوم كل يوم، بدأت تكسل بدأت تمل، تذكر أن السائر إلى المسجد على كل خطوة يخطوها ينال حسنة وتـُغفر له سيئة وتـُرفع له درجة، إذا ضعفت عن شيء من آداب الوضوء تذكرت أن هذا يجعل الوضوء سببا ًفي مغفرة ذنوبك، تخرج الذنوب مع آخر قطرات الوَضوء، إذا تكاسلت عن شيء من الرواتب التي تصليها تتذكر أنها تسد عجز أو الخطأ الفرائض التي ذهبت عنك من غير قصد، هذه معاني إذا تأملت فيها، ما أعطاه الله عزوجل للمتقين، ما أعطاه الله عزوجل للصابرين، فكلما وجدت تكاسلا من نفسك ذكرها، افتح لها أبواب الرجاء أبواب الطمع، لأن طبيعة النفس البشرية أنها إذا طمعت تحفزت كالولد الصغير، يا ولد اذهب للمدرسة آه طفشت،يا ولد ذاكر آه طفشت، آه طفشت حق الأطفال هذه هي موجودة عندي وعندك، ماهي؟ ملـّيت شغل الأطفال، الطفل الصغير ماذا تقول له أمه إذا وجدته ملّ عن المذاكرة تقول له لو ذاكرت أشتري لك حلوى، يقول لها حلاوة أكيد أمي؟ فيذهب، تأتيه الهمة.. إن عملت كذا سأعطيك كذا، هذه النفس التي يُحَفـّز بها الطفل هي نفسك هي هي لم تختلف لم تتغير، فالنفس البشرية تتحفز عندما تـُطَمّع بما ستـُعطى.
2. الترهيب :
أما إذا وجدت في نفسك إصراراً على المعصية ميلاً إليها استعذابا للمعصية، المعصية ليست فيها عذوبة فيها وهم العذوبة، وهم العذوبة تستعذبه النفس فإذا وجدت في نفسك استعذاباً أو ركوناً للمعصية أو ميلاً فهذا الوقت ليس وقت الرجاء الآن، هذا وقت الخوف، انتبه أنت لا تحتمل النار، ذكـّر نفسك بآيات العذاب وبأحاديث الترهيب، ما يحصل للعصاه، ما يقابلون به، إثم الغيبة، النميمة، أكل مال الناس بغير حق، الربا، الوقوع والعياذ بالله بالعلاقات التي لا تجوز، هذه الأشياء التي تهفو إليها النفس كلما وجدت فيها ميلاً إلى الحرام ذكرها بالعذاب ذكرها بالغضب.
3. التشويق :
إن كانت نفسك قد ارتقت قليلاً من ثمرة السير الذي بدأت به ذكرها بأشد عذاب في الوجود، تعرف ماهو أشد العذاب؟، طبعاً من أشد عذاب النار جهنم، لكن هناك عذاب أشد من جهنم، أن يعرض الله عنك أن لا ينظر الله إليك، انظر لما خاطب الحبيب صلى الله عليه وسلم ذوق الصحابة وذوق الأمة من ورائهم خوفهم من النار وذكر لهم الآيات التي في ذلك، لكن نبههم إلى ملمح قال: “ثلاثة لايكلمهم الله -هذا الإعراض- ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم“..
ما معنى قول النبي للصحابة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم؟ معنى هذا أن الحبيب يخاطب فينا الذوق، أنت تحب الله أنت تريد الله فإذا علمت أن هذا الفعل ستعاقب بسببه أن الله لن يكلمك، لن ينظر إليك، من الذي يفهم هذا الكلام؟ أهل الحب الحـَبّيبة كما يقولون، هم يفهمون هذا الكلام، إذا أحب إنسان انسان آخر بأي نوع من أنواع الحب أياً كانت هذه الصلة أو العلاقة راقية سافلة أياً كان لكن عنده حب -إن شاء الله محبتنا كلها تكون راقية- لكن إذا أحب هذا الإنسان إنسانا يمكن يتضايق لو أن هذا الإنسان شاتمه أو صرخ عليه أو غاضبه، لكن لو كان يحب بصدق سيتضايق أكثر لو أنه سكت عنه محبوبه، كلمني طيب عبرني خاطبني، يأتي إليه من هنا يعرض عنه يأتي من هنا يعرض، الذي يعرف الحب يُدرك هذا الكلام الذي أقوله الآن أن هذا أشد على الإنسان من أي شيء آخر، يقول كلمني ولو اشتمني بس كلمني، ياأخي اضربني بس لا تتركني هكذا، لماذا؟ لأنه يحبه فلم يطق هجره.
فإذا جاءك كلام يخبرك بأن هناك شيء قد يسبب والعياذ بالله أن يعرض الله عنك، هذه كبيرة، فلهذا السائر إلى الله بالتفكر بالفكر بالتدبر يعالج نفسه إذا وجد في نفسه تكاسلاَ عن الطاعة رغبها بالجنة بالعطاء بالإحسان بما أودع الله من نعيم بما وعد الله به الصادقين من كرم من فضل أصغر أهل الجنة يملك مثل الدنيا عشر مرات هذا أفقر أهل الجنة، أحوال المقبلين على الله عزوجل الذين رضيهم الله عزوجل، إذا قرأت فيها انتهضت همتك إلى الإقبال، ثم بعد ذلك إذا تذكرت العطاء الذي هو أكبر من الجنة وهو رضوان من يعطيك الجنة رضا الله عزوجل خالق الجنة

نعبد الله للجنة أم للنار ؟!

احذر هنا من شطحات الشاطحين الذين يجعلون الكلام عن طلب رضوان الله والخوف من سخط الله مبرراً في الإستهانة بشأن الجنة والنار، أعوذ بالله، احذر هذا من مزالق الشيطان، يأتي الشيطان لبعض السائرين يقول ما الجنة وما النار أنت تريد الله، لا جنة ولا نار، لا!!، الجنة مَنّ الله بها أحبابه والنار خوف الله بها أولياءه، انتبهوا، فإذا ذُكِرت الجنة هامت قلوب الصادقين وإذا ذُكِرت النار ارتدعت قلوب الوجلين، لكن لا الجنة ولا النار هي المطلب، ما معنى؟ ليست هي العلة في عبادتنا لله؛ نحن لا نعبد الله من أجل الجنة والنار، لكن الجنة والنار تستحثنا في همتنا، نعبد الله لأنه أهل للعبادة.
* قصة : كانت رابعة العدوية رحمها الله وقفت على حد الإستقامة على هذا الباب، الناس بين تطرفين؛ شطح فما عاد يبالي لا بجنة ولا نار والعياذ بالله وهذا سوء أدب مع الله، أو صار نظره مقصور على الجنة والنار ولم يعد يتحرك لمعنى المعاملة مع خالق الجنة والنار، تحب إنسان يقول لك خذ هذه العطية، أخذت منه الهدية.. أوه هدية جميلة، بدأ يكلمك ما عدت تلتفت إليه، ناداك ما أجبته، ما هذا التصرف؟ شغلتك العطية عن المعطي، هذان تطرفان.
ما هو مسلك أهل الحق؟ مسلك أهل الحق يخافون من تخويف الله عباده من النار، ويطمعون فيما يطمع الله به عباده من الجنة، لكنهم لا يعبدونه من أجل ذلك، لهذا قالت رابعة رحمها الله (اللهم إني لا أعبدك خوفاً من نارك، ولا طمعاً في جنتك، ولكني أعبدك لأنك أهلٌ للعبادة) سمعها بعض من لم يفهم قال يا رابعة، اتقي الله هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل الله الجنة واستعاذ به من النار، قالت: وأنا أسأل الله الجنة بل الفردوس الأعلى من الجنة وأستعيذ به من النار- فلم يفهم- لكنها ليست سبب عبادتي، أنا أعبده لأني أحبه لأنه أهلاً للعبادة -ما فهم الرجل- قالت له: يا هذا، أرأيت إن لم يخلق جنة ولا ناراً، أما كان أهلاً لأن يعبد؟ ما كان يستحق أن يُعبد؟ أهل للعبادة أو ليس بأهل؟؟

التدبر.. من تهذيب النفس إلى معاملة الله في الناس !!

ولهذا توظيف أوتوجيه لهذا الفكر والتدبر والذكر إلى معنى المعاملة مع الله ترقيك إلى رتبة تبدأ فيها بصلتك بالناس تعامل الله عزوجل أيضاً، فهمت؟ بصلتك بالناس تعامل الله عزوجل، أول بدأت مع نفسك، نفسك كسلت ذكرتها بالثواب والعطاء انتهضت، تجرأت على المعاصي خوفتها ارتدعت، هذا إعمال ثمرة الذكر والفكر والتدبر في النفس ثم بعد ذلك إعمال هذه الثمار بصلتك بالخلق.
لماذا تحب فلاناً؟ تقول والله ظريف دمه خفيف، أيضاً الكافر يحب الكافر إذا كان ظريفاً ودمه خفيفاً ما الفرق بينك وبينه؟، لماذا تحب فلان؟ لأنه يساعدني ويقف معي، حتى غير المؤمن نفس الشيء، الكلب الحمار الهرة تحب الذي يساعدها أيضاً ما الفرق بينك وبين ذلك؟
تعال تعال ما سمعت عن شيء اسمه الحب في الله، والذي ساعدني؟ نعم أنا أحبه في الله لأن الله جعله سبباً في جريان الخير إلي من لم يشكر الناس لم يشكر الله المسألة محلولة، المفارقة بين المؤمن وغير المؤمن لا تجعل غير المؤمن على التضاد لا تلغي في المؤمن إنسانيته وبشريته أبداً، لكن المفارقة تضيف على بشرية وإنسانية المؤمن إرتقاءً، أنا أحب من يحسن إلي، لكن لماذا أحبه؟ لأن الله أجرى الاحسان على يده إليّ، أحب الذي ينصحني لأن الله أجرى التنبيه على لسانه لي، أحب الذي عنده خفة دم ولطف لأن الله يدخل السرور على قلبي بسببه، فأنا أحب هذا لأن الله، وأحب هذا لأن الله، فحبي لهم من أجل من الله، صار حباً مرتبطاً بالله..

- لمزاح ..

شخص أضحكني لكن بشيء محرم ينفع أقول أحبه لأن الله أدخل السرور على قلبي بسببه بشيء محرم!!؟ ما أحب هذا، عرفتم الفرق؟، يا أخي هذه فلسفة، سيان أنا أحبه لأن دمه خفيف واختصر المسألة، نقول لا، أحبه لأن الله أدخل السرور على قلبي بواسطته على يده فإذا جاء يدخل السرور على قلبي بما يغضب الله نحب هذا؟ لا، حتى لو أرادت نفسي أن تتمتع، نكتة مضحكة لكن فيها شيء محرم، ياأخي مضحكة لا تثقل علينا تكدر تشدد علينا، لا لا، أنا أوسع عليك هذا لك، هذه النكتة المضحكة بشيء محرم يغضب الله هل سيدوم فرحك بها؟ ضحكت نصف دقيقة تضحك أكثر منها دقيقة دقيقتين تضحك أكثر من خمس دقائق بسبب نكتة؟ ما أظن وإلا صارت مرضاً، طيب خمس دقائق أضحكك فيها وأوقات أبكاك فيها في قبرك لأنك رضيت أن تسمع الحرام وأقررت بالحرام، أوقاتاً أبكاك فيها يوم القيامة أوقاتا أحرجك فيها عندما تقف بين يدي الله ويسألك عن قيمة السمع التي أعطاك إياه فأصغيت به بما لا يرضيه، غيبة نميمة لكنها مضحكة بطريقة مضحكة، أنت الآن ترفض، لماذا؟ لأن الإضحاك هنا لم يتصل بالله لم يكن على وصف يُرضي الله، لاحظتم الفرق؟
* مزح النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ..
الحبيب صلى الله عليه وسلم كان له من الصحابة صاحباً اسمه نعيمان يُضحك رسول الله ينكت كثيراً ويعمل مقالب مع الصحابة ولكن بوصف فيه الرضى ويلاطفهم ويضحكون، مرة جاء برجل أعرابي يبيع العسل ووجد ان الاعرابي يشكو، ما أحد يشتري مني العسل لم يُشترى عسلي، قال أنا آخذك إلى من يشتري منك العسل، أعرابي أول مرة يدخل المدينة.. أخذه وأوقفه على باب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال انتظر وأخذ العسل ودخل إلى رسول الله وقال يا رسول الله هذا هدية لك وانصرف، وقال لهذا الأعرابي لقد اشترى صاحب هذا البيت العسل وسيخرج يعطيك المال، خرج رسول الله فأمسك به الأعرابي وقال أين المال، قال أي مالٍ قال مال العسل، قال أهدانيه نعيمان، قال إنه عسلي، فضحك رسول الله وقال فعلها نعيمان أجزلوا العطاء للأعرابي، فأخذ الأعرابي ماله.
كان في نكت، كان في مقالب، لكن لم يثنهم ذلك قط على أن يكونوا مع الله كانوا يضحكون.. تأتي عجوز تقول يا رسول الله ادعوا الله أن يدخلني الجنة، قال لا تدخل الجنة عجوز، آه يا رسول الله، قال تعودين شابة ثلاثة وثلاثين سنة عمرك.
أوجد هذا المعنى لكن على وصف يرضي الله نضحك في الدنيا ونضحك في الآخرة لا نضحك في الدنيا مع أناس يضحكونا قليلاً ويبكونا كثيراً، هذه ثمرة إعمال الفكر أثناء التعامل مع الخلق.

- معروف الناس ..

إنسان أجرى الله على يديه معروفاُ لك مصلحة، مساعدة مالية أو وظيفة أو انقاذ من موقف أياً كان، إما أن يحجبك عن الله أو يزيدك قرباً من الله ما هناك ثالث، ما يمكن ان يكون حياد في التعامل مع البشر، إما أن يكون تعاملك مع الخلق يزيدك قربا من الله أو يبعدك عن الله والعياذ بالله إذا لم تتنبه. هذا أحسن إليك، من الذي أحسن إليك؟ الله، أجرى الله الإحسان على يد عبده فلان فمن الذي أجرى لك الإحسان، الله، هذا فكر، تتكلمون عن المفكرين هذا الفكر، أجرى الله على يده الإحسان إليك.
يوم من الأيام شخص يقول لك أحسن إليك لكن مقابل أن تغير شيء بالعمل تغش مقابل أن تقبل تمريرة الشيء الفلاني بما لا يجوز، حرام أو إضرار بالناس أو سرقة أو أكل أموال الناس بغير الحق أو أذى للبشر، كيف تتعامل معه؟ أنت تحبه هو الذي أحسن إليك، إذا كنت تنظر من زاوية فلان له فضل علي أحسن إلي قد تخجل ها؟ قد تضطر تمضيها له أو تطمع أن يعطيك مرة ثانية تمضيها له، لكن إن كنت تنظر على أن الله أجرى الخير إليك على يده، كيف الله سيجري خير على يد فلان بشيء يغضبه!!! لا والله لا أغضبه أبداً أنا أنتظر الخير مِن مَن؟ من الله فإذا كنت أنتظر العطاء من الله أوافق أحداً من خلقه لأن الله أجرى على يده الخير على معصيته؟ على ما يغضبه؟ أنا انتظر منه العطاء إذاً لا أخالفه أبداً، لا!! جزاك الله خير أحسنت إلي فيما وأسأل الله أن يثيبك ولعل الله يقدرني أن أرد لك المعروف يوماً من الأيام لكن لن أعصيه من أجلك أبداً، لماذا لا تعصيه؟ لأني أشهد أن الله يعطيني على يد فلان وليس فلان الذي يعطيني.
أرأيتم الفرق بين أن ننظر في معاملاتنا مع البشر على أن البشر يستقلون بالنفع بالضر بإدخال الحزن بإدخال الفرح بالإغضاب بالخوف وبين أنهم آلة كما يقول بعض العوام عندنا في حضرموت في اليمن.. يقولون الكون آلة بيد الجلالة، آلات ينفذون ما يسيرهم الله تعالى به إما عطاء لعباده أو ابتلاءً لعباده..

ننصرف من هذا المجلس

فهمنا؟، هل وصل المقصود؟ يا رب، إذا وصل المقصود إلى قلبك تحولت حياتك كلها في معاملتك للخلق لكن الكلام هذا مقنع صحيح؟، لكن هناك مسافة بين الإقتناع به وبين تطبيقه، تعرف ما هي هذه المسافة؟ أيها السائر إلى الله أيها المريد أيها الراغب في قرب الله، المسافة بين سماع هذا الكلام والإقتناع به وقبوله والفرح به وبين تحويله إلى واقع أنت، نفسك، النفس فقط هي المسافة، متى ما أقبلت على النفس لتطلب ارتقاء هذه النفس لتطلب سمو هذه النفس اشتغل على نفسك بالله عزوجل، انظر كيف يتحول هذا الكلام من معاني تتذوقها تعجبك إلى حياة تعيشها.
في البداية ابدأ بتقويم ألفاظك.. ابدأ روض نفسك، بدل ما تقول فلان أعطاني، أجرى الله لي على يد فلان، أو فلان رتب كذا، ابتلاني الله على يد فلان، فلان تسلط علي، سَلطه الله علي بكذا وكذا لعل الله يريد أن يذكرني، كيف؟؟؟ انتبه للمسألة هذه: فلان مجرم فعل بي آذاني، فلان سلطه الله علي إن شاء الله يرفع عني هذا التسليط.. ما الذي يترتب على كلمة سلطه الله علي؟، لا ليس الاستسلام للسوء الذي يفعله فلان، يترتب على ذلك محاسبة النفس الرجوع إلى النفس، أين الأخطاء التي ارتكبتها؟ أين الذنوب التي فعلتها؟ أين الإساءة التي أسأت بها إلى بعض الخلق ربما ممن هم أضعف مني فسلط الله علي آخر؟ أبدأ أحاسب نفسي لكي أتبصر كيف أرد هذا الأذى كيف أستعين بالله على رد هذا التسليطأعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وبك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، هذا سيوصلنا من هذه الميادين إلى ميدان الإقبال على النفس للعمل على ارتقاء أنفسنا مستعينين بالله عزوجل في مراتب ترقي النفس.
يقولون الأنفس سبعة.. أول هذه الأنفس، النفس الأمارة بالسوء (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ)، ثم تبدأ ترتقي من الأمارة إلى اللوامة إلى الملهمة إلى المطمئنة إلى الراضية إلى المرضية إلى الكاملة هذه سبع مراتب للنفس.. وهو ما يأتي الحديث عنه إن شاء الله عز وجل في المجلس القادم، ارتقاء السائر إلى الله في مراتب تزكية النفس .
أسأل الله عزوجل أن يرزقنا وإياكم كمال ذلك يا رب.. أجريت على لسان عبدك الفقير المذنب المخطئ المقصر شيئأً من كلام أهل الصدق معك مما ذكروه في كتبهم أو علموه لطلابهم مما ورثوه عن نبيك صلى الله عليه وسلم، نسألك الله أن تنظر إلينا نظرة تلهمنا بها من التوفيق ما نتهيأ به لكمال الإقبال عليك وصدق المعاملة معك، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين.



التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات: