النشأة والتاريخ
-
أصل
التصوف
-
بداية
ظهور اسم الصوفية
-
ظهور
التصوف كعلم
-
ظهور
التصوف كطرق ومدارس
أصل التصوف
-
يُرجع الصوفية أصل التصوف كسلوك
وتعبد وزهد في الدنيا وإقبال على العبادات واجتناب المنهيات ومجاهدة للنفس وكثرة
لذكر الله إلى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهد
الصحابة ، وأنه يستمد أصوله وفروعه من تعاليم الدين الإسلامي المستمدة من القران
والسنة النبوية .
-
والعجيب أن الذين اعترضوا على أصل التصوف جاؤوا
بعد القرن السادس الهجري والذين كانوا في زمان أهل التصوف المؤسسين لم يعترضوا
عليهم ، بل شهدوا لهم وأكدوا أنهم على الحق والنور والهدى وشهادتهم ستكون في مضمون
هذا الموقع ليقرأها طالب الحق.
بداية ظهور اسم الصوفية
-
يبدو لمتتبع هذه النحلة السامية أنها مرت بمراحل مختلفة قبل أن تتسمى
بهذا الاسم المعروف فكانت أحوالها تظهر في كل مرحلة باسم معين وهكذا إلى أن استقرت
باسم (التصوف) وآية ذلك أن الشيخ الأستاذ أبا القاسم القشيري يقول في رسالته
الشهيرة ( الرسالة القشيرية ) :
-
يقول القشيرى : اعلموا أن المسلمين بعد رسول
الله صلّى
الله عليه وآله وسلّم لم يَتَسمَّ أفاضلهم في عصرهم بتسمية علم سوى صحبة الرسول
عليه الصلاة والسلام، إذ لا أفضلية فوقها، فقيل لهم " الصحابة "، ثم اختلف الناس وتباينت المراتب ، فقيل لخواص الناس ممن لهم شدة
عناية بأمر الدين "الزهاد" و"العُبَّاد"، ثم ظهرت البدعة ،
وحصل التداعي بين الفرق، فكل فريق ادعوا أن فيهم زهادًا، فانفرد خواص أهل السنة المراعون أنفسهم مع الله سبحانه
وتعالى، الحافظون قلوبهم عن طوارق الغفلة باسم "التصوف"، واشتهر هذا
الاسم لهؤلاء الأكابر قبل
المائتين من الهجرة .{1}
-
وقال ابن خلدون في مقدمته :
( وهذا العلم - يعني التصوف - من العلوم الشرعية
الحادثة في الملة، وأصله أن طريقة هؤلاء القوم لم تزل عن سلف الأمة وكبارها من
الصحابة والتابعين ومن بعدهم طريقة الحق والهداية وأصلها العكوف على العبادة
والانقطاع إلى الله تعالى ، والإعراض عن زخرف الدنيا وزينتها، والزهد في ما يقبل
عليه الجمهور من لذة مال وجاه والانفراد عن الخلق والخلوة للعبادة وكان ذلك عاما
في الصحابة والسلف: فلما فشا الإقبال على الدنيا في القرن الثاني وما بعده وجنح
الناس إلى مخالطة الدنيا اختص المقبلون على العبادة باسم الصوفية والمتصوفة) . {2}
-
ويقول
الشيخ محمد صديق الغمارى : ويعضد ما ذكره ابن خلدون في
تاريخ ظهور اسم التصوف ما ذكره الكِنْدي ـ وكان من أهل القرن الرابع ـ في كتاب "ولاة مصر" في
حوادث سنة المائتين: "إنه
ظهربالإسكندرية طائفة
يسمَّوْن بالصوفية يأمرون بالمعروف".
-
وكذلك ما ذكره المسعودي في
"مروج
الذهب "
حاكيًا عن يحيى بن أكثم فقال: "إن المأمون يومًا لجالس، إذ دخل عليه علي بن
صالح الحاجب، فقال: يا أمير المؤمنين ! رجل واقفٌ بالباب، عليه ثياب بيض غلاظ،
يطلب الدخول للمناظرة، فعلمت أنه بعض الصوفية ". فهاتان الحكايتان تشهدان لطلام
ابن خلدون في
تاريخ نشأة التصوف.
-
وذُكر في "كشف
الظنون"
أن أول من سمي بالصوفي " أبو هاشم الصوفي" المتوفى سنة خمسين ومئة . {3}
-
وأول من بنى دويرة التصوف بعض أصحاب عبد الواحد بن زيد المتوفى سنة (177 ه) وهو من
أصحاب الحسن البصري رحمهم الله تعالى وكان في البصرة من المبالغة في الزهد
والعبادة والخوف ونحو ذلك ما لم يكن في سار الأمصار .
أما تاريخ التصوف فيظهر في فتوى للإمام الحافظ السيد محمد صديق
الغماري رحمه اله فقد سئل عن أول من أسس التصوف؟ وهل هو بوحي سماوي؟
-
فأجاب: (أما أول من أسس الطريقة فلتعلم أن
الطريقة أسسها الوحي السماوي في جملة ما أسس من الدين المحمدي إذ هي بلا شك مقام
الإحسان الذي هو أحد أركان الدين الثلاثة التي جعلها النبي صلى الله عليه وآله
وسلم بعد ما بينها واحدا واحدا دينا بقوله: (هذا جبريل عليه السلام أتاكم يعلمكم دينكم) {4}
، وهو الإسلام والإيمان والإحسان
فالإسلام طاعة وعبادة والإيمان نور وعقيدة والإحسان مقام مراقبة ومشاهدة ( أن تعبد
الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ... ).
-
ثم قال السيد محمد صديق الغماري في رسالته تلك :
فإنه كما في الحديث الدين عبارة عن الأركان الثلاثة فمن أخل بهذا المقام (الإحسان)
فدينه ناقص بلا شك لتركه ركنا من أركانه فغاية ما تدعو اليه الطريقة وتشير اليه هو
مقام الإحسان بعد تصحيح الإسلام والإيمان {5}
-
فمن هذه النصوص السابقة يتبين لنا أن التصوف ليس أمرا مستحدثا جديدا
ولكنه مأخوذ من سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وحياة أصحابه الكرام .
ظهور التصوف كعلم
بعد
عهد الصحابة والتابعين ، دخل في دين الإسلام أُمم شتى وأجناس عديدة، واتسعت دائرة
العلوم، وتقسمت وتوزعت بين أرباب الاختصاص؛ فقام كل فريق بتدوين الفن والعلم الذي
يُجيده أكثر من غيره، فنشأ ـ بعد تدوين النحو في الصدر الأول – علم الفقه ،وعلم التوحيد ،وعلوم الحديث ،
وأصول الدين، والتفسير ، والمنطق ، وعلوم الحديث ، وعلم الأصول، والفرائض
"الميراث" وغيرها.
وبعد
هذه الفترة أن أخذ التأثير الروحي يتضاءل شيئاً فشيئاً، وأخذ الناس يتناسون ضرورة
الإقبال على الله بالعبودية، وبالقلب والهمة، مما دعا أرباب الرياضة والزهد إلى أن
يعملوا هُم من ناحيتهم أيضاً على تدوين علم التصوف، وإثبات شرفه وجلاله وفضله على
سائر العلوم، من باب سد النقص، واستكمال حاجات الدين في جميع نواحي النشاط {6}
وكان من أوائل من كتب في التصوف
من العلماء:
-
الحارث المحاسبي : المتوفى سنة 243 هـ، ومن كتبه: بدء من أناب إلى الله، وآداب النفوس،
ورسالة التوهم.
-
أبو نصر عبد الله بن علي السراج
الطوسي،
المتوفي سنة 378 هـ، وله كتاب: اللمع في التصوف.
-
أبو حامد الغزالي : المتوفى سنة 505 هـ، ومن كتبه: إحياء علوم الدين ، الأربعين في أصول الدين، منهاج
العابدين إلى جنة رب العالمين، بداية الهداية، وغيرها الكثير. ويعد كتاب إحياء علوم الدين من
أشهر - إن لم يكن الأشهر- كتب التصوف ومن أجمعها.
-
وشهدت الصوفية بعد جيل الجنيد قفزة
جديدة مع الإمام الغزالي خاصة كتابه إحياء علوم
الدين محاولة
لتأسيس العلوم الشرعية بصياغة تربوبة، تلاه اعتماد الكثير من الفقهاء أبرزهم الشيخ عبد القادر الجيلاني للصوفية كطريقة للتربية الإيمانية ،
ويبدو أن الجيلاني وتلاميذه الذين انتشروا في كافة بقاع المشرق العربي حافظوا على
الجذور الإسلامية للتصوف بالتركيز على تعليم القران والحديث
مقتدين بأشخاص مثل الحارث المحاسبي،
والدليل على ذلك أن حتى ابن تيمية رغم الهجوم الضاري الذي يشنه على
الصوفية في عصره، لا يرى بأساً في بعض أفكار التصوف ويمتدح أشخاصا مثل الجيلانى والشيخ
احمد الرفاعى .
-
وينسب المؤرخين لهذه المدارس الصوفية
المنتشرة دورا كبيرا في تأسيس الجيش المؤمن الذي ساند صلاح الدين فى
حربه ضد الصليبين .
ظهور التصوف كطرق ومدارس
-
يرجع أصل الطرق الصوفية إلى عهد رسول
الله صلّى
الله عليه وآله وسلّم عندما كان يخصّ كل من الصحابة بورد يتفق مع درجته وأحواله :
-
فالصحابي الجليل الإمام على بن ابى طالب ، فقد أخذ من النبى الذكر بالنفي
والإثبات وهو (لا
إله إلا الله) ،
حيث تذكر المصادر التاريخية أن الإمام علي جاء إلى النبي يومًا فقال له النبي: يا
علي عليك بمداومة ذكر الله في الخلوات. فقال علي: هذه فضيلة الذكر، وكل الناس
يذكرون. فقال الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم: يا علي لا تقوم الساعة وعلى وجه
الأرض من يقول (الله). فقال علي: كيف أذكر يا رسول الله؟ قال: أغمض عينيك واسمع
مني ثلاث مرات، ثم قل أنت ثلاث مرات وأنا أسمع. فقال النبي صلّى الله عليه وآله
وسلّم: لا إله إلا الله، ثلاث مرات مغمضاً عينيه رافعاً صوته وعلي يسمع، ثم قال
علي لا إله إلا الله ثلاث مرات مغمضاً عينيه رافعاً صوته والنبي صلّى الله عليه
وآله وسلّم يسمع {7}
-
ثم أخذ عنهما من التابعين هذه
الأذكار وسميت الطريقتين: بالبكرية والعلوية. ثم نقلت الطريقتين حتى إلتقتا عند
الإمام الجنيد ، ثم تفرعتا الى الخلوتية والنقشبندية ، واستمر
الحال كذلك حتى جاء الأقطاب الأربعة السيد احمد الرفاعى والسيد عبد القادر الجيلانى والسيد
احمد
البدوى والسيد
إبراهيم
الدسوقى وشيّدوا
طرقهم الرئيسية الأربعة وأضافوا إليها أورادهم وأدعيتهم. وتوجد اليوم طرق عديدة
جدًا في أنحاء العالم ولكنها كلها مستمدة من هذه الطرق الأربعة.
-
إضافة إلى أوراد السيد أبو الحسن الشاذلى صاحب صاحب الطريقة
الشاذلية والتي
تعتبر أوراده جزءًا من أوراد أي طريقة موجودة اليوم.
![]() |
1- كشف
الظنون عن أسماء الكتب والفنون، تأليف: حاجي خليفة، ج1، ص414.
2- مقدمة ابن خلدون ،
علم التصوف ص (329).
4- أخرجه البخاري
(26) ومسلم (93) .
5-
الانتصار
لطريق الصوفية للمحدث محمد صديق
الغماري ص 6 .
6- مجلة
العشيرة المحمدية،
عدد محرم 1376هـ، من بحث: التصوف من الوجهة التاريخية، للدكتور أحمد علوش.
7-
عبد الرحمن الجبرتي، تاريخ
عجائب الآثار في التراجم والأخبار، ج1، ص346.