أهمية التصوف
-
إن الشارع أمر الإنسان بتكاليف في خاصة نفسه
وترجع إلى قسمين:
قسم يتعلق بأعماله الظاهرة وقسم يتعلق بأعماله الباطنة وبلفظ آخر : أحكام تتعلق بظاهر الجسد وأحكام تتعلق بباطن
الجسد (القلب).
-
وأما الأعمال التي تترتب على الجسد فهي نوعان: أوامر نواه فالأوامر المفروضة هي
كالصلاة والصوم والزكاة والحج... وأما لنواهي المحظورة فهي كتحريم الزنا والسرقة وشرب الخمر
وحقوق العباد كافة ...
-
وأما الأعمال التي تتربت على القلب فهي نوعان أيضا أوامر ونواه فالأوامر المفروضة
: كالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر .. وكالإخلاص والتوكل والخشوع
والصدق والصبر .... . وأما
النواهي المحظورة فكالكفر والنفاق والحقد والحسد والكبر والعجب والرياء.
-
وهذا القسم الثاني هو المعول عليه في ديننا ألا
وهو أعمال القلوب لأن مبنى الأمور كلها على إخلاص النيات لرب البريات التي لا يعلم
بها غيره ، فقد قرن الله سبحانه وتعالى أعمال الظاهر وسلامة الباطن فيها لأن فساد
الباطن يوجب فساد الأعمال الظاهر فقال: " فمن كانه
يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا " .
-
ولهذا كان الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ينم ملكا وتوجيها لاهتمام صحابته
الكرام لإصلاح قلوبهم ويبين لهم هذا الملك وأن صلاح الإنسان متوقف على صلاح هذا
القلب وصفائه من كل الشوائب الكامنة في جنباته فقال : ( ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد
كله ألا وهي القلب) رواه البخاري (52)، ومسلم (2523) ، لأن العمدة يوم القيامة القلب
السليم كما أخبر الله سبحانه وتعالى فقال: "يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم" .
-
وكما أخبر سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم أن محل نظر الرب هو
القلب فقال (إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم ولكن ينر إلى قلوبكم
وأعمالكم) أخرجه مسلم (2564).
· أولا : أهميته في كتاب الله.
-
أمر الله تعالى خلقه أن تكون جميع عباداتهم القولية
والفعلية والمالية خالصة له تعالى بعيدة عن الرياء فقال: " وما أمروا
إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين " ، وقد حرم الفواحش فقال:
" قل إنما حرم
ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن"، وقال تعالى: " ولا تقربوا
الفواحش ما ظهر منها وما بطن " . والفواحش الباطنية كما قال المفسرون هي الحقد والرياء والحسد
والنفاق... .
· ثانيا: أهميته في السنة .
-
الأحاديث التي وردت في النهي عن الحقد والكبر
والرياء والحسد كثيرة منها:
قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( لا
تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا
عباد الله إخوانا المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يكذبه ولا يحقره التقوى ههنا
ويشير إلى صدره ثلاث مرات بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على
المسلم حرام دمه وماله وعرضه) رواه البخاري (5718) ومسلم (2559).
-
ويقول
عليه الصلاة والسلام: ( إن
الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصا وابتغي به وجهه) رواه الترمذي .
-
وكذلك الأحاديث التي تأمر بالتحلي بالأخلاق
الحسنة والمعاملة الجيدة الطيبة فقد قال فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
(إن الرجل ليبلغ بحسن الخلق درجة الصائم القائم) رواه الإمام أحمد في مسنده (19/76)، والمنذري
في الترغيب والترهيب (3/44)، والدارمي .
-
ويقول عليه الصلاة والسلام: (اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق
الناس بخلق حسن) رواه الترمذي (1988) وأحمد .
· أقوال العلماء في أهمية ما يدعو إليه التصوف:
-
أجمع العلماء على أن الأمراض والآفات القلبية من
الكبائر التي تحتاج إلى توبة مستقلة لأن أمراض الباطن كافية لإحباط أعمال العبد
ولو كانت كثيرة.
-
قال الفقيه العلامة الكبير ابن عابدين في حاشيته الشهيرة: ( إن علم الإخلاص والعجب والحسد
والرياء فرض عين مثل غيرها من آفات النفوس كالكبر والشح والحقد والغش والغضب
والداوة والبغضاء والطمع والبخل والبطر والخيلاء والخيانة والمداهنة والاستكبار عن
الحق والمكر والمخادعة القسوة وطول الأمل ونحوها مما هو مبين في ربع المهلكات في
الإحياء قال فيه : ولا ينفك عنها بشر فيلزمه أن يتعلم منها ما يرى نفسه محتاجا
اليه وإزالتها فرض عين ولا يمكن إلا بمعرفة حدودها وأسبابها وعلاماتها وعلاجها فإن
من لا يعرف الشر يقع فيه ) حاشية ابن عابدين المسماة رد المحتار على الدر المختار
شرح تنوير الأبصار ج1 ص 31.
-
وإن التصوف هو الذي اختص بمعالجة الأمراض القلبية
وتزكية النفوس والتخلص من صفاتها الناقصة الذميمة.
- ويقول صاحب مراقي الفلاح العلامة الشرنبلالي: ( لا تنفع الطهارة الظاهرة إلا مع
الطهارة الباطنة وبالإخلاص والنزاهة عن الغل والغش والحقد والحسد وتطهير القلب عما
سوى الله من الكونين فيعبده لذاته لا لعلة مفتقرا إليه وهو يتفضل بالمن بقضاء
حوائجه المضطر اليها عطفا عليه فتكون عبدا فردا للمالك الأحد الفرد لا يسترقك شيء
من الأشياء سواه ولا يستملك هواك عن خدمتك إياه) حاشية
الطحاوي على مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح ص 70 -71 .
-
والكبر من أمراض القلوب وهو وحده يكفي لدخول
النار بدليل قول النبي صلى الله عليه وآله
وسلم « لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر » رواه
مسلم (263) والترمذي (1998) مطولا.
-
ويقول الإمام السيد أحمد الرفاعي قدس الله سره : (الفقير (الصوفي) على الطريق ما دام على السنة
فمتى حاد عنها زل عن الطريق) البرهان المؤيد ص 63.
-
وقال الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى : (عليك بطريق الحق ولا تستوحش لقلة
السالكين وإياك وطريق الباطل ولا تغتر بكثرة الهالكين وكلما استوحشت من تفردك
فانظر إلى الرفيق السابق واحرص على اللحاق بهم وغض الطرف عن سواهم فإنهم لن يغنوا
عنك من الله تعالى شيئا وإذا صاحوا بك في طريق سيرك فلا تلتفت اليهم فإنك متى
التفت اليهم أخذوك وعاقبوك) إيقاظ الهمم في شرح الحكم لابن عجيبة ص 7.
-
ولما كان هذا الطريق صعب المسالك على النفوس
الناقصة فعلى الإنسان أن يجتازه بعزم وصبر ومجاهدة حتى ينقذ نفسه من بعد الله
وغضبه.