الإنشاد والسماع الصوفى




·    الأدلة من القرآن الكريم .

لقد استدل القائلون بإباحة الغناء بكثير من الأدلة من القرآن الكريم منها:
قال الله تعالى {يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير}.
وقال ابن كثير نقلا عن الإمام الزهري وابن جريج في قوله تعالى {يزيد في الخلق ما يشاء} يعني حسن الصوت ورواه عن الزهري البخاري في الأدب المفرد .وقال القرطبي في تفسير الآية: إنه حسن الصوت كما ذكر ابن كثير .


·    الدليل من السنة النبوية المطهرة  .

1-  عن عائشة أنها قالت: " دخل علي أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث فقال أبو بكر : أمزمور الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله : دعهما يا أبا بكر إن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا "
رواه البخاري ومسلم .

وجه الدلالة : عدم إنكار النبي على الجاريتين اللتان تغنيان في بيته يدل على إباحته ، ولا يقال : أن الجاريتين كانتا تنشدان الشعر لأن نص الحديث ( تغنيان ) وفرق بين الغناء وإنشاد الشعر . وكذلك لا يقال : أن الجاريتان كانتا صغيرتين ، لأنهما لو كانتا صغيرتين لما استحقا غضب أبي بكر رضي الله عنه .

2- عن عامر بن سعد قال : دخلت على قرظة بن كعب و أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنهما في عرس و إذا جوار يغنين فقلت : أنتم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم  و أهل بدر يفعل هذا عندكم فقالا : إن شئت فأقم معنا وإن شئت فاذهب فإنه رخص لنا في اللهو عند العرس و في البكاء عند المصيبة .
الحاكم فى المستدرك

3-  عن عائشة أنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أظهروا النكاح واضربوا عليه بالغربال " أي " الدف " .

4-  وعنها أيضا أنها زفت امرأة إلى رجل من الأنصار فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " يا عائشة ، ما كان معهم من لهو فإن الأنصار يعجبهم اللهو "
رواه البخاري وأحمد .

5-  عن ابن عباس قال : أنكحت عائشة ذات قرابة لها من الأنصار ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " أهديتم الفتاة ؟ قالوا : نعم ، قال : أرسلتم معها من يغني : فقالت لا فقال رسول الله : إن الأنصار قوم فيهم غزل ، فلو بعثتم معها من يقول : أتيناكم ، أتيناكم ، فحيانا وحياكم "
رواه ابن ماجة .

6- روى ابن حزم بسنده عن ابن سيرين : ( أن رجلاً قدم المدينة بجوارِ فأتى عبد الله ابن جعفر فعرضهن عليه ، فأمر جارية منهن فغنت ، وابن عمر يسمع ، فاشتراها ابن جعفر بعد مساومة ، ثم جاء الرجل إلى ابن عمر فقال : يا أبا عبد الرحمن ، غُبنتُ بسبعمائة درهم ! فأتى ابن عمر إلى عبد الله بن جعفر فقال له : إنه غبن بسبعمائة درهم ، فإما أن تعطيها إياه ، وإما أن نرد عليه بيعه ، فقال : بل نعطيه إياها ) .
قال ابن حزم : فهذا ابن عمر قد سمع الغناء وسعى في بيع المغنية ، وهذا إسناده صحيح .


·    إنشاد الصحابة بحضور رسول الله .

1-عن أنس رضي الله عنه ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان ينقل اللبن مع القوم في بناء المسجد وهم يرتجزون ويقولون :             
 اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة          فارحم الأنصار والمهاجرة    ( أخرجه الشيخان ).

2-    عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال : خرجنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى خيبر فسرنا ليلاً ، فقال رجل من القوم لعامر : يا عامر ألا تسمعنا من هنيهاتك ؟ وكان عامر رجلاً شاعراً ، فنزل يحدوا بالقوم يقول :
                      
اللهم لولا أنت ما اهتدينا                   ولا تصدقنا ولا صلينا
                    فاغفر فداء لك ما أبقينا                    وثبت الأقدام إن لاقينا
                  وألقين سكينة علينا أنا إذا أصيح           بنا أبيناوبالصياح عولوا علينا

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( 
من هذا السائق ؟ قالوا : عمر ابن الأكوع قال : يرحمه الله )
البخاري .

3-عن أنس رضي الله عنه قال : ( أن أنجشة كان يحدو بالنساء في السفر ) أخرجه الشيخان .

4-استقبلت بنات النجار الرسول صلى الله عليه وسلم عند هجرته من مكة إلى المدينة بالغناء وكن ينشدن :
طلع البدر علينا        من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا       ما دعى لله داع

5-جاء في كتب السير أن خالد بن الوليد كان يهدم صنم العزى وهو ينشد :                                         
             يا عُز كفرانك لا سبحانك               إني وجدت الله قد أهانك

6- اشترك النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بناء مسجده بالمدينة وكان الصحابة تنشد :
                           لئن قعدنا والرسول يعمل             لذلك منا العمل المضلل.


·    الدليل العقلي :

1-   قرر علماء الأصول " أن الأصل في الأشياء الإباحة " لقوله تعالى : ( وهو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ) لا تحريم إلا بنص صحيح صريح من كتاب الله تعالى ، أو سنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم أو إجماع ثابت متيقن فإذا لم يرد نص ولا إجماع ، أو ورد نص صريح غير صحيح ، أو صحيح غير صريح ، بتحريم شئ من الأشياء ، لم يؤثر ذلك في حله ، ويبقى في دائرة العفو الواسعة ، قال تعالى : " وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم له " وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( ما أحل الله في كتابه فهو حلال ، وما حرم فهو حرام ، وما سكت عنه فهو عفو ، فاقبلوا من الله عافيته ، فإن الله لم يكن لينسى شيئا ، وتلا : " وما كان ربك نسيا " ) رواه الحاكم وصححه وأخرجه البراز . 
فقد ورد عن أبي الدرداء أنه قال أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها ، وحد حدوداً فلا تعتدوها وسكت عن أشياء رحمة بكم من غير نسيان فلا تبحثوا عنها ) أخرجه الدارقطني وحسنه .

2-  إن حب الغناء والطرب والصوت الحسن غريزة إنسانية وفطرة بشرية ، حتى إن الصبي الرضيع في مهده يسكته الصوت الطيب عن بكائه ، ويصغي إليه ، ولذا تعودت الأمهات والمربيات الغناء للأطفال منذ زمن قديم ، وكذا فإن الطيور والبهائم تتأثر بحسن الصوت والنغمات الموزونة

ولذا يقول الامام الغزالي : " من لم يحركه السماع فهو ناقص مائل عن الاعتدال ، بعيداً عن الروحانية ، زائداً في غلظ الطبع وكثافته على الجمال والطيور وجميع البهائم ، إذ الجمل " مع بلادة " يتاثر بالحداء تأثيراً يستخف معه الأحمال الثقيلة ويستقصر " لقوة نشاطه في سماعه " المسافات الطويلة ، وينبعث فيه من النشاط ما يسكره ويوليه فترى الإبل إذا سمعت الحادي تمد أعناقها وتصغي إليه ناصية آذانها ، وتسرع في سيرها ، حتى تتزعزع أحمالها ومحاملها " الإحياء : جـ 2 : 286 .

-    وقد ورد حديث الآذان واختصاص بلال به لأنه أندى صوتاً وكذا حديث ( حسنوا أصواتكم بالقرآن ) .

-    وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لحنظلة " حين ظن نفسه قد نافق لمداعبته زوجه وولده ، وتغير حاله في بيته عن حاله مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " : يا حنظلة ، ساعة وساعة " رواه مسلم .    

-    وقال الامام علي بن أبي طالب : " روحوا القلوب ساعة بعد ساعة فإن القلوب إذا أكرهت
عميت " .

-    وقال كرم الله وجهه : " إن القلوب لتمل كما تمل الأبدان ، فابتغوا لها طرائف الحكمة " .

-    وقال أبو الدرداء : " إني لأستجم نفسي بالشئ من اللهو ليكون أقوى لها على الحق " .

3-  قول السراج الطوسي : يقول الله تعالى : " سنريهم آياتنا في الأفاق وفي أنفسهم " وما أرانا الله في أنفسنا وأبصرنا ذلك في الحواس الخمسة التي نميز بها بين الشئ وضده كالعين تميز بالنظر بين والقبيح والأنف تميز بين الرائحة الطيبة والنتنة والفم يميز بالذوق بين الحلاوة والمرارة واليد تميز باللمس بين اللين والخشن ، وكذلك الأذن تميز بين الأصوات الطيبة وغير الطيبة والمنكرة قال الله تعالى : " إن أنكر الأصوات لصوت الحمير " ففي مذمته للأصوات المنكرة محمدة للأصوات الحسنة ولا يميز بينها إلا بالسماع وهو الإصغاء والاستماع بحضور القلب وإدراك الفهم وإزالة الوهم " . 
من كتاب " 
خصائص التصوف بين مؤيديه ومعارضيه " .


·    رأي الفقه فى الإنشاد والسماع .

- الحنفية قالوا : الشعر في المسجد إن كان مشتملاً على مواعظ وحكم وذكر نعمة الله تعالى وصفة المتقين فهو حسن . وإن كان مشتملاً على ذكر الأطلال والأزمان وتاريخ الأمم فمباح . وإن كان مشتملاً على هجو وسخف فحرام . وإن كان مشتملاً على وصف الحدود والقدود والخصور فمكروه إن لم يترتب عليه ثوران الشهوة وإلا حرم .

- الحنابلة قالوا :
 الشعر المتعلق بمدح النبي صلى الله عليه وسلم ونحوه مما لا يحرم ولا يكره يباح إنشاده في المسجد .

- المالكية قالوا : إنشاد الشعر في المسجد حسن إن تضمن ثناء على الله تعالى أو على رسوله صلى الله عليه وسلم ، أو حث على خير ، وإلا فلا يجوز .


- الشافعية قالوا : إنشاد الشعر في المسجد إن اشتمل على حكم ومواعظ وغير ذلك مما لا يخالف الشرع ولم يشوش حسن وإلا حرم .




التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات: