الصلاة فى المساجد التى بها أضرحة




إن قضية المساجد التى بها قبور قضية فقهية فرعية  ، استغلها الجهال ومبتغوا الفتنة أسوأ استغلال ؛ حيث جعلوها سببا فى التفريق بين المسلمين والتنابز بالألقاب فذهب هذا يسب هذا ويقول انه قبورى أو مبتدع أو مشرك ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم .
ونحن نجمع شتات الكلام فى هذه المسالة عسى الله أن يفتح بهذا الكلام أعيناً عمياً وآذانا صماً .
فان هناك خلطاً بين أمور متفرقة أحدث لبساً فى التعامل مع هذه المسالة ، وجعلنا كلما تكلمنا فيها لا نصل الى شئ ، ولكننا سنوضح هنا تلك الأمور ، ونفرق بينها ، فالصلاة فى القبور ليست الصلاة بالمسجد الذى به ضريح ، وليست هى اتخاذ القبر مسجداً ، ولذلك نفرق بين ثلاثة أمور :
الصلاة فى القبور
الصلاة فى المسجد الذى به ضريح
اتخاذ القبر مسجدا

·       أولاً : الصلاة فى القبور
القبر : هو مدفن الإنسان  يقال قبره يقبره ويقبره ، قبراً ومقبراً ، دفنه وأقبره جعل له قبراً ، والمقبرة بفتح الباء وضمها موضع القبور أو موضع دفن الموتى ، والقابر الدافن بيده .

والقبر محترم شرعا توقيرا للميت ، ومن ثم اتفق الفقهاء على كراهة وطء القبر والمشى عليه ، لما ثبت أن النبى صلى الله عليه وسلم " نهى ان توطء القبور" الترمذى ج4 ص 133  لكن المالكية خصوا الكراهة بما إذا كان مسلما ، كما استثنى الشافعية والحنابلة وطء القبر للحاجة من الكراهة ، كما إذا كان لا يصل إلى قبر ميت إلا بوطء قبر آخر .

أما عن حكم الصلاة فى المقابر:
-         فقد ذهب الحنفية : الى انه تكره الصلاة فى المقبرة ، وبه قال الثورى والأوزاعى ؛لأنها مظان النجاسة وبه تشبه باليهود إلا إذا كان فى المقبرة موضع أعد للصلاة ولا قبر ولا نجاسة فلا بأس .

-         وقال المالكية : تجوز الصلاة بمقبرة عامرة كانت أو مندرسة ، منبوشة أو لا ، لمسلم كانت أو لمشرك .

-         وفصل الشافعية الكلام فقالوا :
-         لا تصح الصلاة فى المقبرة التى تحقق نبشها بلا خلاف فى المذهب ، لانه قد اختلط بالارض صديد الموتى ، هذا وان لم يبسط تحته شئ ، وان بسط تحته شئ فتكره .
-         وإما إن تحقق عدم نبشها صحت الصلاة بلا خلاف ؛ لان الجزء الذى باشره بالصلاة طاهر، ولكنها مكروهة كراهة تنزيه ؛ لأنها مدفن لنجاسة .
-         وإما إن شك فى نبشها فقولان ؛ أصحهما :: تصح الصلاة مع الكراهة ؛ لان الأصل طهارة الأرض فلا يحكم بنجاستها بالشك ، وفى مقابل الأصح لا تصح الصلاة لان الأصل بقاء الفرض فى ذمته ، وهو يشك فى اسقاطه ، والفرض لا يسقط بالشك .

-         وقال الحنابلة : لا تصح الصلاة فى المقبرة قديمة كانت أو حديثة، تكرر نبشها أم لا ، ولا يمنع من الصلاة قبر ولا قبران ؛ لأنه لا يتناولها اسم المقبرة وإنما المقبرة ثلاثة قبور فصاعداً ، وروى عنهم أنه كل ما دخل فى إسم  المقبرة مما حول القبور لا يصلى فيه ، ونصوا على أنه لا يمنع من الصلاة ما دفن بداره ولو زاد على ثلاثة قبور؛ لأنه ليس بمقبرة.

هذا بشأن كلام الفقهاء فى مسألة الصلاة فى المقبرة والمقابر دون التعرض لمسألةالصلاة فى المساجد التى بجرها الأضرحة.


·       ثانياً : الصلاة فى المسجد الذى به ضريح

-         والصلاة فى المسجد الذى به ضريح أحد الأنبياء عليهم السلام أو الصالحين فهى صحيحة ومشروعة ،وقد تصل الى درجة الاستحباب ويدل على هذا الحكم عدة أدلة من القران الكريم والسنة النبوية المطهرة وفعل الصحابة وإجماع الأمة العملى .

ü    فمن القران  فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا (21) الكهف ، ووجه الاستدلال بالآية إلى أنها أشارت إلى قصة أصحاب الكهف ، حينما عثر عليهم الناس فقال بعضهم : نبنى عليهم بنيانا ، وقال آخرون :لنتخذن عليهم مسجدا .

-         والسياق يدل على ان الأول قول المشركين والثانى قول الموحدين ، والاية طرحت القولين دون استنكار ، ولو كان فيهما شئ من الباطل لكان من المناسب ان تشير الآية إليه وتدل على بطلانه بقرينة ما ، وتقريرها للقولين يدل على اقرار الشريعة لهما ، بل انها طرحت سياق الموحدين بسياق يفيد المدح ، وذلك بدليل المقابلة بينه وبين قول المشركين المحفوف بالتشكيك ، بينما جاء قول الموحدين لنتخذن نابعة من رؤية إيمانية ، فليس المطلوب عندهم مجرد البناء ، وإنما المطلوب هو المسجد ، وهذا القول يدل على أن أولئك  الأقوام كانوا عارفين بالله معترفين بالعبادة والصلاة .

-         قال الرازى فى تفسيره ( لَنَتَّخِذَنَّ ) نعبد الله فيه ، ونستبقى آثار أصحاب الكهف بسبب ذلك المسجد .

-         وقال الشوكانى : ذكر اتخاذ المسجد يشعر بأن هؤلاء الذين غلبوا على أمرهم هم المسلمون ، وقيل هم أهل السلطان والملوك من القوم المذكورين فإنهم الذين يغلبون على أمر من عداهم ، والأول أولى  

-         وقال الزجاج : هذا يدل على أنهم لما ظهرأمرهم غلب المؤمنون بالبعث والنشور ؛لأن المساجد للمؤمنين .
هذا بخصوص ما ذكر فى كتاب الله فيما يخص مسألة بناء المسجد على القبر .

ü    ومن السنة

-         أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرنا إسماعيل بن محمد بن الفضل الشعراني، قال: حدثنا جَدِّي، قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر، قال: حدثنا محمد بن فُلَيح، عن موسى بن عقبة، عن ابن شهاب - وهذا لفظ حديث القطان -، قال: ولما رجع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة انفلت رجل من أهل الإسلام من ثقيف - يقال له: أبو بصير بن أسيد بن جارية الثقفي - من المشركين...، فذكر قصة أبي جندل وأبي بصير -رضي الله عنهما- المشهورة، وكيف قتل أبو بصير أحد الرجلين اللذين أخذاه من النبي – صلى الله عليه وسلم-، ثم خرج حتى أتى سيف البحر، وكيف انفلت أبو جندل بن سهيل من قريش، فلحق بأبي بصير، فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلا لحق بأبي بصير، حتى اجتمعت منهم عصابة، فما سمعوا بِعِيرٍ خرجت لقريشٍ إلى الشام إلا اعترضوا لها فقتلوهم وأخذوا أموالهم، فأرسلت قريش إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- تناشده أن يرسل إلى أبي بصير وأصحابه...، وفي آخره قال: "وكتب رسول الله –صلى الله عليه وسلم- إلى أبي جندل وأبي بصير يأمرهم أن يقدموا عليه، ويأمر من معهما ممن اتبعهما من المسلمين أن يرجعوا إلى بلادهم وأهليهم، ولا يعترضوا لأحدٍ مرَّ بهم من قريشٍ وعيرانها، فقدم كتاب رسول الله –صلى الله عليه وسلم- زعموا -على أبي جندل وأبي بصير، وأبو بصير يموت، فمات وكتاب رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في يده يقرؤه، فدفنه أبو جندل مكانه، وجعل عند قبره مسجدًا".
أخرجه ابن عساكر في "تاريخ مدينة دمشق" (25/299-300) من طريق البيهقي السابق، ومن طريق الخطيب البغدادي، عن أبي الحسين بن الفضل القطان شيخ البيهقي، به.

-         فلما أرسلت قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم في أمرهم كتب إلى أبي بصير وأبي جندل ليقدما عليه فيمن معهما فقرأ أبو جندل كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بصير مريض، فمات، فدفنه أبو جندل وصلى عليه، وبنى على قبره مسجداً.

-         والشاهد من هذه القصة قوله : "وجعل عند قبره مسجدًا".

ü    أما فعل الصحابة

-         يتضح من موقف دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم واختلافهم فيه ، وهو ما حكاه الإمام مالك رضى الله عنه عندما ذكر اختلاف الصحابة فى مكان دفن الحبيب صلى الله عليه وسلم فقال : " فقال ناس يدفن عند المنبر ، وقال آخرون يدفن بالبقيع ، فجاء أبو بكر الصديق فقل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ما دفن نبى قط الا فى مكانه الذى توفى فيه فحفر له فيه " الموطأ ج1 ص 231 .

-         ووجه الاستدلال : أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اقترحوا ان يدفن صلى الله عليه وسلم عند المنبر وهو داخل المسجد قطعاً ، ولم ينكر عليهم أحد هذا الاقتراح ، بل إن أبا بكر اعترض على هذا الاقتراح ليس لحرمة دفنه صلى الله عليه وسلم فى المسجد ، وإنما تطبيقا لأمره صلى الله عليه وسلم بان يدفن فى مكان قبض روحه الشريفة .

-         وبتأملنا فى دفنه  فى ذلك المكان نجد انه صلى الله عليه وسلم قبض فى حجرة السيدة عائشة رضى الله عنها ، وهذه الحجرة كانت متصلة بالمسجد الذى يصلى فيه المسلمين ، فوضع الحجرة بالنسبة للمسجد كان – تقريبا – هو نفس المساجد المتصلة بحجرة فيها ضريح لأحد الأولياء فى زماننا ، بان يكون ضريحه متصل بالمسجد والناس يصلون فى صحن المسجد بالخارج .

-         وهناك من يعترض على هذا الكلام ويقول : أن هذا خاص بالنبى صلى الله عليه وسلم ، والرد عليه ان الخصوصية فى الأحكام بالنبى صلى الله عليه وسلم تحتاج الى دليل ، والأصل أن الحكم عام ما لم يرد دليل يثبت الخصوصية ، ولا دليل ، فبطلت الخصوصية المزعومة فى هذا الموطن .
ونزولا على قول الخصم من أن هذه خصوصية للنبى صلى الله عليه وسلم – وهو باطل كما قلنا – فالجواب ان هذه الحجرة دفن فيها سيدنا أبو بكر ومن بعده سيدنا عمر ، والحجرة متصلة بالمسجد ، فهل الخصوصية انسحبت الى أبى بكر وعمر – رضى الله عنهما – ام ماذا ؟ والصحابة يصلون فى المسجد المتصل بهذه الحجرة التى بها ثلاثة قبور ، والسيدة عائشة رضى الله عنها تعيش فى هذه الحجرة ، وتصلى فيها صلواتها المفروضة والمندوبة ، ألا يعد هذ فعل الصحابة وإجماع عملى لهم .

ü    ومن إجماع الأمة الفعلى واقرار علمائها لذلك ، صلاة المسلمين سلفاً وخلفاً فى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والمساجد التى بها أضرحة بغير نكير ، وإقرار العلماء من لدن الفقهاء السبعة بالمدينة الذين وافقوا على إدخال الحجرة الشريفة إلى المسجد النبوى ، وهى بها ثلاثة قبور ، ولم يعترض منهم إلا سعيد بن المسيب ولم يكن اعتراضه لأنه يرى حرمة الصلاة فى المساجد التى بها قبور ، وإنما اعترض لانه يريد ان تبقى حجرات النبى صلى الله عليه وسلم كما هى ليطلع عليها المسلمون  ؛ حتى يزهدوا فى الدنيا ، ويعلموا كيف كان يعيش رسول الله صلى الله عليه وسلم .

·       ثالثاً :: اتخاذ القبر مسجدا ليس هو المسجد الذى به ضريح .

-         واتخاذ القبر مسجدا الذى ورد فيه النهى عن النبى صلى الله عليه وسلم ليس هو ما ذكرنا من بناء المسجد بجوار ضريح متصل به أو منفصل عنه ،   لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (أحمد ، والطبرانى ، والضياء عن أسامة بن زيد ) .
أحمد ، والبخارى ، ومسلم ، والنسائى عن عائشة وابن عباس معا . مسلم عن أبى هريرة )

-         فعلماء الامة لم يفهموا من هذا الحديث ان المقصود النهى عن اتصال المسجد بضريح نبى أو صالح ، وإنما فسروا اتخاذ القبر مسجد ا تفسيراً صحيحاً ، وهو ان يجعل القبر نفسه مكانا للسجود ، ويسجد عليه الساجد لمن فى القبر عبادة له ، كما فعلوا اليهود والنصارى فقال تعالى : اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31) التوبة .
-         فهذا هو معنى السجود الذى استوجب اللعن ، أو جعل القبر قبلة دون القبلة المشروعة كما يفعل أهل الكتاب ؛ حيث يتوجهون بالصلاة إلى قبور أحبارهم ورهبانهم ، فتلك الصور هى التى فهمها علماء الامة من النهى عن اتخاذ القبور مساجد  .
-         فكان ينبغى على المسلمين ان يعرفوا الصورة المنهى عنها ، لا ان ينظروا الى ما فعله المسلمون فى مساجدهم ، ثم يقولون ان الحديث ورد فى المسلمين ، فهذا فعل الخوارج والعياذ بالله كما قال ابن عمر : ذهبوا الى آيات نزلت فى المشركين فجعلوها فى المسلمين ، فليست هناك كنيسة للنصارى ولا معبد لليهود على هيئة مساجد المسلمين التى بها أضرحة ، والتى يصر بعضهم أن الحديث جاء بخصوص هذه الصورة.

ü    ولكن العلماء فهموا المراد بنظر ثاقب وهو ما اتضح فى شروحهم لهذا الحديث .

-         فها هوالشيخ السندى يقول بشأن هذا الحديث :" ومراده بذلك أن يحذر أمته ان يصنعوا بقبره ما صنع اليهود والنصارى بقبور انبيائهم من اتخاذهم تلك القبور مساجد اما بالسجود اليها أو يجعلها قبلة يتوجون فى الصلاة نحوها ، قيل ومجرد اتخاذ مسجد فى جوار صالح تبركا غير ممنوع " حاشية السندى ج 2 ص41 .

-         وقد نقل العلامة ابن حجر العسقلانى وغيره من شراح السنن
-         وقال البيضاوي لما كانت اليهود والنصارى يسجدون لقبور الأنبياء تعظيما لشأنهم ويجعلونها قبلة يتوجهون في الصلاة نحوها واتخذوها أوثانا لعنهم الله ومنع المسلمين عن مثل ذلك ، فأما من أتخذ مسجدا في جوار صالح وقصد التبرك بالقرب منه وقصد به الاستظهار بروحه ووصول اثر من عبادته اليه ، لا التعظيم له ولا التوجه نحوه فلا يدخل في ذلك الوعيد ، ألا ترى مدفن إسماعيل فى المسجد الحرام ثم الحطيم ، ثم ان ذلك المسجد أفضل مكان يتحرى المصلى بصلاته ، والنهى عن الصلاة فى المقابر المنبوشة لما فيها من النجاسة " فتح البارى ج 1 ص 524 ، شرح الزرقانى ج 4 ص 290 .

-         وقد نقل المباركفورى فى شرحه لجامع الإمام الترمذى قول التربشتى فقال :" قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ : وَحَدِيثُ لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اِتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ كَانُوا يَجْعَلُونَهَا قِبْلَةً يَسْجُدُونَ إِلَيْهَا فِي الصَّلَاةِ كَالْوَثَنِ ، وَأَمَّا مَنْ اِتَّخَذَ مَسْجِدًا فِي جِوَارِ صَالِحٍ أَوْ صَلَّى فِي مَقْبَرَةٍ قَاصِدًا بِهِ الِاسْتِظْهَارَ بِرُوحِهِ أَوْ وُصُولِ أَثَرٍ مِنْ آثَارِ عِبَادَتِهِ إِلَيْهِ لَا التَّوَجُّهَ نَحْوَهُ وَالتَّعْظِيمَ لَهُ فَلَا حَرَجَ فِيهِ ، أَلَا يُرَى أَنَّ مَرْقَدَ إِسْمَاعِيلَ فِي الْحِجْرِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالصَّلَاةَ فِيهِ أَفْضَلُ اِنْتَهَى .
-         وَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْحَقِّ الدِّهْلَوِيُّ فِي اللُّمَعَاتِ فِي شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ : لَمَّا أَعْلَمَهُ بِقُرْبِ أَجَلِهِ فَخَشَى أَنْ يَفْعَلَ بَعْضُ أُمَّتِهِ بِقَبْرِهِ الشَّرِيفِ مَا فَعَلَتْهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى بِقُبُورِ أَنْبِيَائِهِمْ فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ .
-         قَالَ التُّورْبَشْتِيُّ هُوَ مُخَرَّجٌ عَلَى الْوَجْهَيْنِ :
-         أَحَدُهُمَا كَانُوا يَسْجُدُونَ لِقُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ تَعْظِيمًا لَهُمْ وَقُصِدَ الْعِبَادَةُ فِي ذَلِكَ
-         وَثَانِيهِمَا أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَحَرَّوْنَ الصَّلَاةَ فِي مَدَافِنِ الْأَنْبِيَاءِ وَالتَّوَجُّهَ إِلَى قُبُورِهِمْ فِي حَالَةِ الصَّلَاةِ وَالْعِبَادَةِ لِلَّهِ نَظَرًا مِنْهُمْ أَنَّ ذَلِكَ الصَّنِيعَ أَعْظَمُ مَوْقِعًا عِنْدَ اللَّهِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْأَمْرَيْنِ : عِبَادَةٌ وَالْمُبَالَغَةُ فِي تَعْظِيمِ الْأَنْبِيَاءِ ، وَكِلَا الطَّرِيقَيْنِ غَيْرُ مَرْضِيَّةٍ ، وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَشِرْكٌ جَلِيٌّ ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى الْإِشْرَاكِ بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِنْ كَانَ خَفِيًّا . وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَمِّ الْوَجْهَيْنِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا ، اِشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ اِتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ . وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَأَشْبَهُ ، كَذَا قَالَ التُّورْبَشْتِيُّ          
-         وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ : فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ يَحْرُمُ الصَّلَاةُ إِلَى قَبْرِ نَبِيٍّ أَوْ صَالِحٍ تَبَرُّكًا وَإِعْظَامًا ، قَالَ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ النَّوَوِيُّ وَقَالَ التُّورْبَشْتِيُّ وَأَمَّا إِذَا وُجِدَ بِقُرْبِهَا مَوْضِعٌ بُنِيَ لِلصَّلَاةِ أَوْ مَكَانٌ يَسْلَمُ فِيهِ الْمُصَلِّي عَنْ التَّوَجُّهِ إِلَى الْقُبُورِ فَإِنَّهُ فِي نُدْحَةٍ مِنْ الْأَمْرِ ، وَكَذَلِكَ إِذَا صَلَّى فِي مَوْضِعٍ قَدْ اُشْتُهِرَ بِأَنَّ فِيهِ مَدْفِنُ بُنِيَ لَمْ يَرَ لِلْقَبْرِ فِيهِ عَلَمًا وَلَمْ يَكُنْ تَهْدِهِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْعَمَلِ الْمُلْتَبِسِ بِالشِّرْكِ الْخَفِيِّ .
-         وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ مِثْلُهُ حَيْثُ قَالَ : وَخَرَجَ بِذَلِكَ اِتِّخَاذُ مَسْجِدٍ بِجِوَارِ نَبِيٍّ أَوْ صَالِحٍ وَالصَّلَاةُ عِنْدَ قَبْرِهِ لَا لِتَعْظِيمِهِ وَالتَّوَجُّهُ نَحْوَهُ بَلْ لِحُصُولِ مَدَدٍ مِنْهُ حَتَّى يُكْمِلَ عِبَادَتَهُ بِبَرَكَةِ مُجَاوَرَتِهِ لِتِلْكَ الرُّوحِ الطَّاهِرَةِ فَلَا حَرَجَ فِي ذَلِكَ لِمَا وَرَدَ أَنَّ قَبْرَ إِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْحِجْرِ تَحْتَ الْمِيزَابِ ، وَأَنَّ فِي الْحَطِيمِ بَيْنَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَزَمْزَمَ قَبْرُ سَبْعِينَ نَبِيًّا ، وَلَمْ يُنْهَ أَحَدٌ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهِ اِنْتَهَى . وَكَلَامُ الشَّارِحِينَ مُطَابِقٌ فِي ذَلِكَ اِنْتَهَى مَا فِي اللُّمَعَاتِ .

-         قُلْت : ذَكَرَ صَاحِبُ الدِّينِ الْخَالِصِ عِبَارَةَ اللُّمَعَاتِ هَذِهِ كُلَّهَا ثُمَّ قَالَ رَدًّا عَلَيْهَا مَا لَفْظُهُ :
مَا أَبْرَدَ هَذِهِ التَّحْرِيرَ وَالِاسْتِدْلَالَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ التَّقْرِيرِ ؛ لِأَنَّ كَوْنَ قَبْرِ إِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ سَوَاءٌ كَانُوا سَبْعِينَ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ لَيْسَ مِنْ فِعْلِ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ وَلَا هُوَ وَهُمْ دُفِنُوا لِهَذَا الْغَرَضِ هُنَاكَ ، وَلَا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَلَا عَلَامَاتِ لِقُبُورِهِمْ مُنْذُ عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَا تَحَرَّى نَبِيُّنَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَبْرًا مِنْ تِلْكَ الْقُبُورِ عَلَى قَصْدِ الْمُجَاوَرَةِ بِهَذِهِ الْأَرْوَاحِ الْمُبَارَكَةِ ، وَلَا أَمَرَ بِهِ أَحَدًا وَلَا تَلَبَّسَ بِذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ سَلَفِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا ، بَلْ الَّذِي أَرْشَدَنَا إِلَيْهِ وَحَثَّنَا عَلَيْهِ أَنْ لَا نَتَّخِذَ قُبُورَ الْأَنْبِيَاءِ مَسَاجِدَ كَمَا اِتَّخَذَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى ، وَقَدْ لَعَنَهُمْ عَلَى هَذَا الِاتِّخَاذِ فَالْحَدِيثُ بُرْهَانٌ قَاطِعٌ لِمَوَادِّ النِّزَاعِ وَحُجَّةٌ نَيِّرَةٌ عَلَى كَوْنِ هَذِهِ الْأَفْعَالِ جَالِبَةً لِلَّعْنِ ، وَاللَّعْنُ أَمَارَةُ الْكَبِيرَةِ الْمُحَرَّمَةِ أَشَدَّ التَّحْرِيمِ . فَمَنْ اِتَّخَذَ مَسْجِدًا بِجِوَارِ نَبِيٍّ أَوْ صَالِحٍ رَجَاءَ بَرَكَتِهِ فِي الْعِبَادَةِ وَمُجَاوَرَةِ رُوحِ ذَلِكَ الْمَيِّتِ فَقَدْ شَمِلَهُ الْحَدِيثُ شُمُولًا وَاضِحًا كَشَمْسِ النَّهَارِ ، وَمَنْ تَوَجَّهَ إِلَيْهِ وَاسْتَمَدَّ مِنْهُ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ وَخَالَفَ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَمَا وَرَدَ فِي مَعْنَاهُ . وَلَمْ يُشْرَعْ الزِّيَارَةُ فِي مِلَّةِ الْإِسْلَامِ إِلَّا لِلْعِبْرَةِ وَالزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا وَالدُّعَاءِ بِالْمَغْفِرَةِ لِلْمَوْتَى . وَأَمَّا هَذِهِ الْأَغْرَاضُ الَّتِي ذَكَرَهَا بَعْضُ مَنْ يُعْزَى إِلَى الْفِقْهِ وَالرَّأْيِ وَالْقِيَاسِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ عَلَيْهَا أَثَارَةٌ مِنْ عِلْمٍ وَلَمْ يَقُلْ بِهَا فِيمَا عَلِمْت أَحَدٌ مِنْ السَّلَفِ ، بَلْ السَّلَفُ أَكْثَرُ النَّاسِ إِنْكَارًا عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الْبِدَعِ الشَّرِكِيَّةِ اِنْتَهَى .

-         قَوْلُهُ : ( وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ )
-         أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اِتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ . وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ : لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اِتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ . وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ أَيْضًا بِلَفْظِ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي لَمْ يَقُمْ مِنْهُ : لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اِتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ جُنْدُبٍ قَالَ : سَمِعْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : أَلَا وَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ ، أَلَا فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ إِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ . قَوْلُهُ : ( حَدِيثُ اِبْنِ عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ .

·       ومما سبق فبيان حكم الصلاة فى المسجد الذى به ضريح يكون .
-         إذا كان القبر فى معزل عن المسجد ، كانت الصلاة فى المسجد صحيحة ولا حرمة ولا كراهة .
-         إما إذا كان القبر داخل المسجد ، فان الصلاة باطلة عند الإمام احمد وجائزة عند الثلاثة وغاية الأمر أنهم قالوا : يكره أن يكون القبر إمام المصلى لما فيه من التشبه بالمصلى إليه .




التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات: